قصة....العالمة.....
انا لا احب ان اتكلم عن قصة حياتي. فأنا اكره ان اعيد شريط ذكرياتي.. لست من النوع الذي يتباهى بتفاصيلها وخاصة المراحل المؤلمة التي مررت بها في بداياتي.
اتذكر في صغري كنت اعيش في قرية فقيرة الجهل والمړض كان يسودها.. هي قرية نائية بعيدة كل البعد عن ترف المدن او حتى ابسط ماتعيشه القرى المجاورة لنا.
كانت لدينا غرفة واحدة نتشارك فيها انا و إخوتي الاربعة هيثم جواد. وجومانا وجوليا والتي الاخيرة فقدناها إثر المړض المعدي الذي انتشر بقوة في قريتنا والتي لم تستطع ان تنجوا منه مثل بقية إخوتي ربما لنقص في مناعتها وجسمها النحيل الذي لم يتحمل الفيروس آنذاك وهتك بها في الاخير ...كما ان هناك جدي وجدتي والدي امي اللذان يعيشان معنا كذلك.. حيث اضطرت والدتي ان تتحمل عبء مسؤوليتهما فهما طاعنان بالسن ولا احد غيرها من يهتم لأمرهما بما ان خالاتي وخالي نسوا ان لديهم اب وام مازالا على قيد الحياة.. اما عن والدي فانا لا اتذكر ملامحه إلا القليل منها فقط. فلهذه اللحظة اود لو اعلم حقيقة امره. ان كان حيا او مېتا. كلما كنا نسأل والدتنا عنه تخبرنا انه مټوفي. ولكن اقاربنا وجداي يخبرونا العكس. بأنه حي يرزق. ولكنه سافر بسبب عدم قدرته على تحمل معابىء وقسۏة الظروف فقرر هجر امي دون ان يخبرها برحيله. تاركا إياها تتحمل بدلا عنه صعوبة ومشاق مسؤولية ستة افراد بمفردها. وكم كان عليها ذلك شاقا فوق طاقة استطاعتها..
اتذكر وانا في الخمس سنوات ان والدتي كانت لديها فستانان احسبهما من اجمل الفساتين ما رأت عيني حتى الان. كانت تلبس واحد بالنهار لونه وردي مزركش بالدانتال وله برقة خاصة تلمع منه كبريق النجوم في وسط السماء الصافية ثم ترمي فوقه ملاءة سوداء. اما الثاني ترتديه بالليل كان قصيرا نوعاما لونه احمر في الغامق و على اطرافه قماش مطرز باللون الاسود . بعدها كنا نراها تذهب مع اشخاص غرب ثم تعود وهي تحمل معها بعض الاغراض التي لا تكاد تلبي حاجياتنا. واحيانا اتذكر انها تعود بالليل اتظاهر حينها انني نائمة فأسمع بكاءها بصمت الذي يكاد يخنق انفاسها مغطاة وجهها تحت الرداء حتى لانسمع صوت نحيبها وهي مستلقية على البساط الذي ترقد عليه بجوار إخوتي .
و في احد بعض صباحات تلك الليالي نتفاجأ ان والدتنا متغيرة ملامحها من بعض الإزرقاق الموزع عشوائيا في وجهها وبقية جسدها الظاهر إلينا.
في تلك الاثناء كنت اعتقد ان والدتي وسخت نفسها إثر جمعها الخضر على انواعها من البساتين ووضعها في الصناديق الذي يأخذها مالكها كي يبيعها بطريقته في الاسواق وهذا ماكانت تخبرنا به والدتنا عند غيابها عنا.. فكنت انا ببراءتي آخذ فوطة صغيرة ابللها بالماء ثم احاول ان امسح تلك البقع. ولكن دون جدوى خاصة بعد ان اسمع انين امي وهي تتألم. فانسحب لحظتها مباشرة اعتقادا مني انا من كنت أضغط عليها بيدي فأحدث لها ذلك الۏجع.. ولكن ليت تلك البراءة دامت ولم تنضج لتكبر وتعلم الحقيقة بعدها. ان اليد الصغيرة التي كانت تحاول ان تنظف تلك البقع المزرقة مستحيل ان توجع امها مهما كانت يدها قوية... بل هناك ألم خفي لاتتحمله الجبال من شدة ۏجع تلك الچروح العفنة.
بقينا على ذاك النظام تذهب امي للعمل و نحن نبقى في البيت مع اختي الاصغر مني جومانا اقوم برعايتها ورعاية جداي رغم صغر سني أقوم بسقايتهما عند حاجتهما للماء... واغذيهما بنفسي الخبز المطبوخ ليسهل عليهما هضمه اما اخواي فهما يذهبان للعب مع اصدقائهما واحيانا يأخذهما احد مالكي الحقول والبساتين ليجمعا هما ايضا الخضر والفواكه من الاشجار ويملأون بها الصناديق. مقابل بعض من تلك الغنيمة التي يضعونها لهما في كيس مربوط بعقدة في الوسط. ورغم ان اغلبها تكون فاسدة وبعضها غير طازجة. إلى انها تفي بالغرض.
لحتى اصبحت في عمر الثامن سنوات بدأت امي تعلمني بعض الحركات من الرقص...فالرقص لدينا متوارث في عائلتنا إذ كنت حينها مربرة وجسدي يوحي بأنني اكبر من السن الحقيقي لحظتها كانت والدتي تخبرني انه حان الوقت لأتعلم فنون الرقص واستلم الشعلة منها لأكمل مشوارها الذي بدأته ..